كيفية كتابة مذكرة اعتراضية على الحكم بطريقة صحيحة تضمن قبولها



Article Image

 

مقدمة

يُعتبر حق الاعتراض على الأحكام القضائية من أهم الحقوق التي يكفلها النظام القضائي في المملكة العربية السعودية. وتلعب المذكرة الاعتراضية دوراً محورياً في ممارسة هذا الحق بالطريقة الصحيحة. وقد وضعت "الهيئة السعودية للمحامين" معايير وإرشادات واضحة لكتابة المذكرات القانونية بما يضمن فعاليتها وقبولها أمام المحاكم المختصة.

إن كتابة مذكرة اعتراضية فعّالة تتطلب فهماً عميقاً للأسس القانونية والإجرائية، بالإضافة إلى مهارات كتابية متقدمة في الصياغة القانونية. هذا المقال سيقدم لك دليلاً شاملاً حول كيفية إعداد مذكرة اعتراضية محكمة تحقق الغرض المطلوب منها.

أهمية المذكرة الاعتراضية في النظام القضائي

تمثل المذكرة الاعتراضية الوسيلة الرسمية للطعن في الأحكام القضائية التي لم تحقق العدالة المطلوبة من وجهة نظر أحد أطراف النزاع. وتكمن أهميتها في عدة جوانب:

الجانب القانوني

تُعتبر المذكرة الاعتراضية الأداة القانونية التي تمكن المتقاضي من عرض وجهة نظره أمام محكمة أعلى درجة، مما يضمن تحقيق مبدأ التقاضي على درجتين. هذا المبدأ يكفل حق المراجعة والتدقيق في الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية.

الجانب الإجرائي

من الناحية الإجرائية، تُعتبر المذكرة الاعتراضية الطريق الوحيد المتاح للطعن في الحكم خلال المدة المحددة نظامياً. لذلك، فإن إعدادها بالطريقة الصحيحة يضمن عدم سقوط الحق في الاعتراض.

الجانب العملي

عملياً، تساعد المذكرة الاعتراضية في توضيح الأخطاء القانونية أو الواقعية التي قد تكون وقعت في الحكم المُعترض عليه، مما يمنح المحكمة العليا فهماً أفضل لطبيعة النزاع ومبررات الاعتراض.

الأسس القانونية للاعتراض على الأحكام

النصوص النظامية

يستند حق الاعتراض على الأحكام إلى عدة نصوص نظامية في المملكة العربية السعودية، أبرزها نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية. هذه النصوص تحدد الشروط والضوابط الواجب مراعاتها عند تقديم الاعتراض.

شروط قبول الاعتراض

لقبول الاعتراض أمام المحكمة العليا، يجب توافر عدة شروط أساسية:

الشرط الزمني: يجب تقديم الاعتراض خلال المدة المحددة نظامياً، والتي تختلف حسب نوع القضية. في القضايا المدنية، تكون المدة ثلاثين يوماً من تاريخ النطق بالحكم أو تبليغه، بينما في القضايا الجزائية قد تختلف هذه المدة.

الشرط الموضوعي: يجب أن يكون الاعتراض مبنياً على أسباب قانونية وجيهة، مثل مخالفة النظام أو الخطأ في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أو وجود عيوب إجرائية جوهرية.

الشرط الشكلي: يجب أن تكون المذكرة الاعتراضية مصاغة وفقاً للمعايير القانونية المعتمدة، وأن تتضمن جميع البيانات والمعلومات المطلوبة.

عناصر المذكرة الاعتراضية الأساسية

الديباجة والبيانات الأولية

تبدأ المذكرة الاعتراضية بالديباجة التي تتضمن البيانات الأساسية للقضية. هذه البيانات تشمل:

بيانات المحكمة: اسم المحكمة المختصة بنظر الاعتراض، ورقم الدائرة إن وجد.

بيانات الأطراف: الأسماء الكاملة للمعترض والمعترض ضده، مع توضيح صفة كل طرف في القضية الأصلية.

بيانات الحكم المُعترض عليه: رقم الحكم وتاريخه واسم المحكمة التي أصدرته، مع بيان موضوع القضية بشكل مختصر.

عرض الوقائع

يجب عرض وقائع القضية بطريقة منطقية ومتسلسلة، مع التركيز على الوقائع ذات الصلة بأسباب الاعتراض. يُفضل أن يكون العرض:

موضوعياً: يجب تجنب التحيز أو المبالغة في عرض الوقائع، والاكتفاء بذكر الحقائق كما هي.

مترابطاً: يجب أن تكون الوقائع مترابطة منطقياً، بحيث تؤدي إلى النتيجة المطلوبة.

مدعماً بالأدلة: كلما أمكن، يجب دعم الوقائع بالمستندات والأدلة ذات الصلة.

أسباب الاعتراض

تُعتبر أسباب الاعتراض القلب النابض للمذكرة الاعتراضية. هذا الجزء يجب أن يكون مصاغاً بعناية فائقة، ويمكن تقسيم أسباب الاعتراض إلى عدة فئات:

الأسباب القانونية: تشمل مخالفة النصوص النظامية أو الخطأ في تفسيرها أو تطبيقها. مثل الخطأ في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أو مخالفة الأنظمة المعمول بها في المملكة.

الأسباب الإجرائية: تتعلق بالعيوب التي قد تكون وقعت في إجراءات المحاكمة، مثل عدم مراعاة حق الدفاع أو عدم تمكين أحد الأطراف من إبداء دفوعه.

الأسباب الموضوعية: تشمل الخطأ في تقدير الأدلة أو عدم الاستجابة لدفوع جوهرية أو الخطأ في تكييف الوقائع قانونياً.

الطلبات الختامية

يجب أن تختتم المذكرة بطلبات واضحة ومحددة، تتضمن:

الطلب الأساسي: نقض الحكم المُعترض عليه كلياً أو جزئياً حسب الحال.

الطلب البديل: إما إعادة النظر في القضية أو إحالتها للمحكمة المختصة لإعادة البت فيها.

الطلبات الإضافية: مثل وقف تنفيذ الحكم إذا كان ذلك ضرورياً.


 

خطوات كتابة المذكرة الاعتراضية

المرحلة التحضيرية

قبل البدء في كتابة المذكرة، يجب القيام بعدة خطوات تحضيرية مهمة:

دراسة الحكم بعناية: يجب قراءة الحكم المُعترض عليه بتمعن شديد، وتحليل أسبابه ومنطوقه، وتحديد نقاط الضعف أو الخطأ فيه.

جمع المستندات: تجميع جميع المستندات والأدلة ذات الصلة بالقضية، بما في ذلك لائحة الدعوى الأصلية ومذكرات الأطراف والأحكام السابقة إن وجدت.

البحث القانوني: البحث في النصوص النظامية والأحكام القضائية والآراء الفقهية ذات الصلة بموضوع النزاع.

التشاور مع الخبراء: إذا كانت القضية تتطلب خبرة تخصصية، يُفضل التشاور مع الخبراء في المجال المعني.

مرحلة الصياغة

تتطلب مرحلة الصياغة مهارات خاصة في الكتابة القانونية:

وضع مخطط أولي: يجب وضع مخطط يحدد العناصر الأساسية للمذكرة وتسلسلها المنطقي.

استخدام اللغة القانونية: يجب استخدام المصطلحات القانونية الدقيقة وتجنب اللغة العامية أو الغامضة.

الوضوح والإيجاز: يجب أن تكون المذكرة واضحة ومفهومة، مع تجنب الإطالة غير المبررة.

التدرج المنطقي: يجب أن تتدرج المذكرة من العام إلى الخاص، ومن المقدمات إلى النتائج.

مرحلة المراجعة والتدقيق

بعد الانتهاء من كتابة المذكرة، يجب القيام بمراجعة شاملة تشمل:

المراجعة القانونية: التأكد من صحة الاستشهادات القانونية ودقة المعلومات.

المراجعة اللغوية: تدقيق النص لغوياً ونحوياً وإملائياً.

المراجعة الشكلية: التأكد من استيفاء جميع الشروط الشكلية المطلوبة.

معايير "الهيئة السعودية للمحامين" في الصياغة القانونية

تُعتبر "الهيئة السعودية للمحامين" المرجع الأساسي للمعايير المهنية في مجال المحاماة والصياغة القانونية. وقد وضعت الهيئة مجموعة من المعايير والإرشادات التي يجب على المحامين الالتزام بها عند إعداد المذكرات القانونية:

معايير الشكل والتنسيق

حددت "الهيئة السعودية للمحامين" معايير دقيقة للشكل والتنسيق:

الخط والحجم: استخدام خط واضح ومقروء بحجم مناسب، مع ترك مسافات كافية بين الأسطر.

الهوامش: ترك هوامش مناسبة في جميع جهات الصفحة لتسهيل القراءة والتعليق.

الترقيم: استخدام نظام ترقيم واضح للفقرات والبنود الفرعية.

التوثيق: توثيق جميع المراجع والاستشهادات بالطريقة المعتمدة.

معايير المضمون

أما بالنسبة لمعايير المضمون، فقد أكدت "الهيئة السعودية للمحامين" على ضرورة:

الدقة القانونية: التأكد من صحة جميع المعلومات القانونية والاستشهادات.

الوضوح والإيجاز: تجنب الإطالة غير المبررة والتركيز على النقاط الجوهرية.

المنطق والتسلسل: اتباع تسلسل منطقي في عرض الحجج والأدلة.

الموضوعية: تجنب التحيز والمبالغة والالتزام بالموضوعية في العرض.

الأخطاء الشائعة في كتابة المذكرات الاعتراضية

الأخطاء القانونية

من أبرز الأخطاء القانونية التي يقع فيها البعض:

عدم الإلمام بالنصوص النظامية: الاستشهاد بنصوص منسوخة أو غير سارية المفعول.

الخطأ في التكييف القانوني: تكييف الوقائع تكييفاً خاطئاً لا يتناسب مع طبيعة النزاع.

إغفال الدفوع الجوهرية: عدم إثارة دفوع مهمة كان من شأنها تقوية موقف المعترض.

الأخطاء الإجرائية

تشمل الأخطاء الإجرائية الشائعة:

تجاوز المدد النظامية: تقديم الاعتراض بعد انتهاء المدة المحددة نظامياً.

عدم استيفاء البيانات: إغفال بعض البيانات الأساسية المطلوبة في المذكرة.

عدم توقيع المذكرة: عدم توقيع المحامي المفوض على المذكرة أو عدم ختمها بالختم المعتمد.

الأخطاء اللغوية والأسلوبية

من الأخطاء الشائعة في هذا الجانب:

استخدام لغة غير قانونية: استخدام مصطلحات عامية أو غير دقيقة.

الإطالة المملة: الإطالة في العرض دون مبرر مما يضعف تأثير المذكرة.

ضعف الترابط: عدم وجود ترابط منطقي بين أجزاء المذكرة المختلفة.

نماذج وأمثلة عملية

نموذج للديباجة

بسم الله الرحمن الرحيم


 

إلى محكمة الاستئناف بالرياض / الدائرة ... الموقرة


 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


 

الموضوع: مذكرة اعتراضية على الحكم رقم (...) لعام (...هـ) 

الصادر من المحكمة الجزئية بالرياض في القضية رقم (...)


 

المعترض: ... (الاسم الكامل والصفة)

المعترض ضده: ... (الاسم الكامل والصفة)


 

نموذج لعرض الأسباب

أسباب الاعتراض:


 

السبب الأول: الخطأ في تطبيق النظام

حيث أن المحكمة الموقرة قد أخطأت في تطبيق أحكام المادة (...) من نظام (...) 

والتي تنص على (...). والواضح من نص المادة أن (...)


 

السبب الثاني: عدم تقدير الأدلة تقديراً صحيحاً

حيث أن المحكمة لم تول الاعتبار الكافي للأدلة المقدمة من المعترض، 

والتي تثبت بوضوح أن (...)


 

التوثيق والمراجع القانونية

أهمية التوثيق

يُعتبر التوثيق الصحيح للمراجع والاستشهادات من أهم عناصر المذكرة الاعتراضية الناجحة. التوثيق الدقيق يضفي مصداقية على المذكرة ويسهل على القاضي التحقق من صحة المعلومات المقدمة.

طرق التوثيق المعتمدة

تختلف طرق التوثيق حسب نوع المرجع:

الأنظمة واللوائح: يجب ذكر اسم النظام ورقم المادة وتاريخ الإصدار.

الأحكام القضائية: يجب ذكر رقم الحكم وتاريخه واسم المحكمة التي أصدرته.

المراجع الفقهية: يجب ذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب ورقم الجزء والصفحة.

قواعد البيانات القانونية المعتمدة

يمكن الاستعانة بعدة قواعد بيانات معتمدة:

البوابة الإلكترونية لوزارة العدل: تحتوي على جميع الأنظمة واللوائح المعمول بها.

نظام معين للأحكام القضائية: يوفر قاعدة بيانات شاملة للأحكام القضائية.

المكتبات القانونية المتخصصة: توفر مراجع فقهية وقانونية موثوقة.

ضمانات نجاح المذكرة الاعتراضية

التحضير الجيد

يُعتبر التحضير الجيد أساس نجاح أي مذكرة اعتراضية. هذا التحضير يشمل:

الدراسة العميقة للقضية: فهم جميع جوانب النزاع والخلفية القانونية له.

تحليل نقاط القوة والضعف: تحديد نقاط القوة في موقف المعترض ونقاط الضعف في الحكم المُعترض عليه.

إعداد استراتيجية الدفاع: وضع خطة واضحة للحجج والأدلة التي سيتم الاستناد إليها.

الصياغة المهنية

تتطلب الصياغة المهنية للمذكرة مراعاة عدة عوامل:

استخدام اللغة القانونية الدقيقة: تجنب الغموض والاعتماد على المصطلحات المعتمدة.

التنظيم والترتيب: تنظيم المذكرة بطريقة منطقية تسهل على القارئ متابعتها.

التوازن في العرض: عدم الإطالة المملة أو الاختصار المخل.

المتابعة القانونية

بعد تقديم المذكرة، يجب:

التأكد من التسليم: الحصول على إيصال استلام من المحكمة المختصة.

متابعة المواعيد: متابعة مواعيد الجلسات والقرارات الصادرة.

الاستعداد للمرافعة: إعداد المرافعة الشفوية إذا تطلب الأمر ذلك.


 

الخلاصة والتوصيات

إن كتابة مذكرة اعتراضية فعّالة تتطلب مزيجاً من الخبرة القانونية والمهارة في الصياغة والفهم العميق لإجراءات التقاضي. المعايير التي وضعتها "الهيئة السعودية للمحامين" توفر إطاراً مرجعياً مهماً يضمن جودة المذكرات المقدمة أمام المحاكم.

التوصيات الأساسية

للمحامين الممارسين: ضرورة الاطلاع المستمر على أحدث التطورات في الأنظمة والإجراءات، والالتزام بمعايير "الهيئة السعودية للمحامين" في جميع الأعمال القانونية.

للمتقاضين: أهمية اختيار محامٍ مؤهل ومرخص من "الهيئة السعودية للمحامين" لضمان الحصول على خدمة قانونية متميزة.

للطلاب والباحثين: الاستفادة من الموارد التعليمية والتدريبية التي تقدمها "الهيئة السعودية للمحامين" لتطوير المهارات القانونية.

في النهاية، تبقى المذكرة الاعتراضية أداة قانونية مهمة لحماية الحقوق وتحقيق العدالة. وعندما تُعد وفقاً للمعايير المهنية المعتمدة، فإنها تسهم بشكل فعال في تطوير النظام القضائي وتعزيز ثقة المتقاضين فيه.

 


 

المراجع

  1. نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 22/1/1435هـ
  2. نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7/1422هـ
  3. لائحة آداب مهنة المحاماة الصادرة عن الهيئة السعودية للمحامين
  4. دليل الصياغة القانونية - إصدارات الهيئة السعودية للمحامين
  5. الأحكام القضائية المنشورة في نظام معين - وزارة العدل
  6. المراجع الفقهية في أصول المرافعات الشرعية


مقالات موصى بها


طرق الاعتراض على الأحكام القضائية في نظام القضاء الحديث
اقرأ المزيد
هل يحق لي رفع دعوى لزيادة نفقة الأبناء؟
اقرأ المزيد
خطوات بدء مشروع تجاري في السعودية | الدليل القانوني الكامل لرواد الأعمال
اقرأ المزيد
بطاقات الدفع الاحتيالية في السعودية | كيف تحمي أموالك من السرقة؟
اقرأ المزيد
كيفية كتابة مذكرة اعتراضية على الحكم بطريقة صحيحة تضمن قبولها
اقرأ المزيد
أركان العقود حسب أنظمة المملكة العربية السعودية
اقرأ المزيد
كيفية تعديل عقد شركة أو شطبها في السعودية؟ خطوات قانونية 2025
اقرأ المزيد
هل تحتاج إلى مساعدة قانونية موثوقة؟
مستعدون للدفاع عن حقوقك